1- ماهو غرضكم من تأليف هذا الكتاب؟
هدفنا هو إلقاء الضّوء على عنف تغيّر المناخ في شمال أفريقيا والتّأكيد على الحاجة إلى استجابة محليّة. أردنا الإشارة إلى أنّ بقاء الإنسانيّة على قيد الحياة مرهون بالتغيير الهيكلي وعلى مواجهة تحدّي الحديث عن العدالة المناخيّة بالّلغة العربيّة.
تغيّر المناخ هو حقيقة موثقة في شمال أفريقيا. عدة أشخاص يلاقون حتفهم والكثيرون يجدون أنفسهم مجبرين على ترك أراضيهم بسبب موجات الجفاف والعواصف الّتي أصبحت أكثر حدة ومتكرّرة الحدوث في حين أنّ الصّحاري آخذة في الاتّساع ومستويات مياه البحار تواصل الارتفاع.
هناك تزايدٌ في عدد المنشورات التي تتناول هذا الخطر باللغة العربية ولكن المؤسّسات النيو-ليبيرالية كالبنك العالمي وGIZ الألماني وهيآت الاتّحاد الأوروبي تهيمن على المعرفة والأدبيات النّاتجة. تراها تسلّط الضوء على بعض مخاطر ظاهرة الإحتباس الحراري، وتنادي بخطط عمل عاجلة، ولكن تحليلاتها لتغير المناخ لا تشمل مسائل الطّبقية والعدالة والسلطة أو التاريخ الاستعماري. الحلول المقترحة عادة ما تعزّز وضع ومكانة الأثرياء و تمكّنهم من سلطة أكبر، كما تخدم مصالحهم على المدى البعيد كونها مبنية على رؤية مستقبلية تتميز بإقتصاديات خاضعة للإنتفاع الخاص أو الذاتي وخوصصة المياه و الأراضي. لتنتهي إلي خصخصة الغلاف الجوي.
تخلو هذه التحاليل من أيّ إشارة إلى المسؤولية التاريخية للغرب الصناعي في التسبّب بتغير المناخ، وإلى جرائم شركات النفط مثل بريتيش بتروليوم وشل، أو الدين المناخي المستحق لجنوب الكرة الأرضية. معظم الكتابات عن تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تشير إلى الاضطهاد – أو المقاومة.
أردنا أيضا أن نلفت النّظرإلى فشل وإفلاس المحادثات العالمية حول المناخ التي أصبحت رهينة للمصالح الخاصّة والشركات المتسلّطة التي تشجّع على المزيد من “الحلول الزائفة” التي تهدف إلى الربح السريع بدلاً من إجبار البلدان الصّناعيّة على تخفيض انبعاثات الكربون وترك الوقودات الأحفورية في الأرض.
حاولنا، عبر تنسيقنا وتحريرنا لهذا الكتاب، التّصدّي لهيمنة الخطاب اليبرالي الجديد حول ظاهرة التغير المناخي بالّلغة العربية وأردنا التّنويه بالحاجة إلى بديلٍ ثوري متأصّل في قيم العدالة.
2- ماهي المسائل والمواضيع التي يتطرّق إليها الكتاب؟
نحن نعتقد أنّ كتابنا هو أوّل كتاب يتناول موضوع العدالة المناخيّة باللغة العربية وبالطّبع سنكون مسرورين جدّا إذا لم يكن ذلك هو الحال. الكتاب يحتوي على ست مقالات حول عنف تغيّرالمناخ والحلول الزّائفة في مصر والمغرب والجزائر والمنطقة في نطاقها الأوسع. وهناك 15مقالة أخرى تقدّم وجهات نظر ملهمة وتحرّرية عبّر عنها مثقفون ونشطاء وسياسيّون راديكاليّون وتقدميّون ومنظمات ومجموعات شعبية في جنوب الكرة الأرضية. لقد اخترنا مقالات ومقابلات وتصريحات تصف فيها الحركات الاجتماعية رؤاها في القضايا التي تناضل من أجلها، وكيفية تنظّمها والتعريف بمطالبها. تغطّي فصول هذا الكتاب منطقة جغرافية واسعة بدء من الإكوادور ومروراً بالهند وجنوب أفريقيا ووصولاً إلى الفلبين.
يتطرّق هذا الكتاب إلى قضيّة ملحّة : تغيّر المناخ في شمال أفريقيا و جنوب الكرة الأرضية. وذلك عبر عدسة العدالة بدلا من عدسة “الأمن” لأنّ صياغة المستقبل في إطار تصوّر أمني تحيل نضالنا إلى إطار يخضع لمفاهيم وتصوّرات السلطة القمعية للدولة المتجذرة في “الأمن” وبالتالي يعيد تمكينها و تقويتها في نهاية المطاف.
أردنا، عبر هذه المقالات والنّصوص، أن نبيّن أنّ أزمة المناخ هي مثال قوي للاستغلال الرّأسمالي والإمبريالي للإنسانية ولكوكبنا. تغير المناخ هو بالدرجة الأولى حرب يشنها الأغنياء على الطبقات العاملة، وصغار المزارعين والفقراء الذين يحملون العبء نيابة عن أصحاب الامتيازات.
يحتوي الكتاب على أربعة أقسام و21 فصلاً. القسم الأوّل، تحت عنوان “عنف تغير المناخ” يسلّط الضّوء على حجم الخطر الذي يشكلّه تغيّر المناخ. القسم الثّاني، تحت عنوان “تغيير النّظام أم تغيّر المناخ”، يشيرإلى المسبّبات الهيكلية لتغير المناخ، وكيف يجب أن يكون شكل النظام الجديد. يتناول القسم الثالث “حذار من الحلول الكاذبة” الكيفية التي حاول من خلالها الأقوياء استخدام أزمة المناخ لتحقيق الربح وترسيخ عدم المساواة عن طريق تشجيع الحلول الكاذبة. يبحث القسم الأخير، تحت عنوان “الّتنظيم من أجل البقاء” في كيفية تعبئة الناس من أجل مستقبل مختلف.
3– من تأملون أن يقرأ هذا الكتاب وما هو التّأثير الذي تودّون أن تروه؟
نظراً للضغوط التسلطية والقمع الجماعي والفقر المتفشي على نطاق واسع، فإنه من الطبيعي أن هناك اهتماماً محدوداً قد خُصِص من طرف الحركات الاجتماعية أو اليسار في شمال أفريقيا لظاهرة تغير المناخ في الماضي. يشكّل هذا الكتاب دعماً لليسار في شمال أفريقيا ليعبّر عن استجابة محلية وديمقراطية لتغير المناخ، تدمج التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والطبقي والبيئي.
بطريقة أو بأخرى، يتيح تغير المناخ فرصةً لليسار لإعادة صياغة السّياسات. التّغلّب على هذا التّغيير المثير سيتطلّب خروجاً جذريّاً عن هياكل السلطة العسكرية والاستعماريّة والنيو- ليبرالية القائمة.
ونأمل أيضا أن يكون هذا الكتاب مفيداً لحركة الدّفاع والمحافظة على البيئة. نحن نعرف أنّ سياسة المناخ في العالم العربي يتحكّم فيها ذوو الثّروة والسّلطة. الوظائف والتّمويلات والفرص التي تحيط بالشّؤون البيئية، معظمها تابعة للشّركات أو مرتبطة بمؤسّسات كـ GIZ أومؤسّسة التّمويل الدّولية، ممّا يجعل السياسات المناخية الراهنة محافظةً وخانقة، ويوقع أنصار البيئة في أفق تفكير ضيّق، ويمنعهم من الإتّصال بالحراكات الجماعيّة الضّروريّة للانتصار.
غايتنا في النّهاية ليست أن نقول لشعوب شمال أفريقيا ما الذي يجب أن يفكّروا فيه أو أيّ مصطلحات يجب إستعمالها بل هي طرح بعض الأسئلة وعرض بعض التحديّات. ما هو شكل الاستجابة العادلة لتغير المناخ في شمال أفريقيا؟ هل تعني الإجلاء الجماعي، وحدوداً مفتوحة إلى أوروبا؟ هل تعني دفع الديون المناخية من قبل الحكومات الأوروبية وإعادة توزيع الثروة- ، من طرف الشركات متعددة الجنسيات، أو من النخب المحلية الغنية؟ أم أنها تعني مقاطعة جذريّة للنّظام الرّأسمالي؟ ما الذي يجب أن يحدث لموارد الوقود الأحفوري في شمال أفريقيا التي يجري استخراجها في جزء كبير منها من قبل الشركات الغربية؟ من الذي يجب أن يسيطر على الطاقة المتجددة ويمتلكها؟ ماذا يعني التكيف مع تغيّر المناخ ومن الذي سيشكّل هذا التكيف ويستفيد منه؟ نأمل أن يتمكن هذا الكتاب من المساهمة في الاقتصاد السياسي الناشئ لتغير المناخ في شمال أفريقيا الذي يستقصي ويدرس العلاقات بين صناعات الوقود الأحفوري، والنخب الإقليمية، ورأس المال الدولي.
4– في مقدّمة الكتاب، تعرّضتم لضرورة إيجاد مفردات لغويّة مناسبة للتّعبير عن النّضال من أجل العدالة المناخيّة. هل يمكنكم أن تقولوا لنا المزيد عن ذلك؟
كانت ترجمة هذه المقالات إلى اللغة العربية صعبة لأن العديد من العبارات والمصطلحات لا وجود لها. كيف يمكننا أن نحارب شيئاً، إذا لم يكن لدينا اسم له ولا يمكننا توضيح ما نريد قوله؟ في حين يستخدم مصطلح “العدالة البيئية” في اللغة العربية، لا يستخدم في هذه اللغة مصطلح “العدالة المناخيّة.” تستخدم هذه العبارة على نطاق واسع في كل من أمريكا اللاتينية والبلدان الناطقة بالانجليزية. ولكن قد يبدو هذا المصطلح غريباً جداً – أو سخيفاً – باللغة العربية. نحن بحاجة إلى تغيير أنظمة الطاقة من حولنا – ولكن هل يمكننا أن نتحدث عن “عدالة الطاقة” و “ديمقراطية الطاقة” في اللغة العربية؟
نحن بحاجة إلى مفردات للحديث عن هذه القضايا في اللغة العربية، لنصف رؤية لمستقبل آمن وعادل نتمكن من الكفاح من أجله. استيراد المصطلحات والمفاهيم من أجزاء أخرى من هذا الكوكب لن ينجح بمفرده – فلكي تتردد أصداء الأفكار في مسامع الناس في شمال أفريقيا، يجب أن تنشأ هذه المصطلحات في شمال أفريقيا. ولكن من المفيد أيضاً التفاعل مع الحركات في أي مكان آخر والتعلم منها.
العديد من المقالات في هذا الكتاب تطالب بالعدالة المناخية والعدالة البيئية وديمقراطية الطاقة وعدالتها. لا يوجد تعريف واحد لأي من هذه المفاهيم، ولكن هذا لا يقوّض من قيمتها. سنترك للقارئ أن يحدد فيما إذا كانت هذه المفاهيم ملائمة لشمال أفريقيا أم لا.
5- أترون أنّه هناك ارتباطاً بين الكفاح من أجل العدالة المناخيّة وبين الحركات الثّوريّة الأخرى في شمال أفريقيا؟
نحن نعتقد أنّ “العدالة المناخية” عادة ما تنطوي على الاعتراف بالمسؤولية التاريخية للغرب الصناعي في التسبب بظاهرة الاحتباس الحراري العالمي وتأخذ بعين الاعتبار اختلاف آثارها وعدم تناسب مستويات التصدي لها في البلدان والمجتمعات. إنها تميّز وتعرِف دور السلطة في التسبب في تغير المناخ وفي صياغة الاستجابة له وتحديد من يتحمّل هذا العبء. وذلك وفقاً لمحدّدات تشكّلها الأبعاد الطبيقة أو العرقية أو الجنسية، سواء من ِخلال إرث الاستغلال الاستعماري أو خلال الاستغلال الرأسمالي الحالي. العدالة المناخية تعني القطيعة مع صيغ العمل المعتادة التي تحمي النّخب السياسية العالمية، والشركات متعددة الجنسيات والأنظمة العسكرية، وتتطلب تحولاً وتكيّفاً اجتماعياً وبيئياً جذرياً.
سكان شمال أفريقيا الذين ستتعرض حياتهم للتّغيير جرّاء تغير المناخ هم صغار المزارعين في دلتا النيل، وصيادي الأسماك من جربة، سكان عين صلاح في الجزائر، والملايين الذين يعيشون في تجمعات غير رسمية في القاهرة وتونس والجزائر. ولكنّ هؤلاء مهمّشون وممنوعون من تشكيل مستقبلهم. بدلاً من ذلك، تُصاغ مخطّطات وسياسات الطاقة والمناخ من قبل الحكومات المُسيطَر عليها عسكرياً ومن طرف مؤيّديها في الرياض وبروكسل وواشنطن. وتتعاون النّخب المحلية الغنية مع الشركات المتعددة الجنسيات، والبنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. ولكن جميع وعود وإجراءات هذه المؤسّسات تبيّن أنها عدوّة للعدالة المناخية.
و من ثمّ، يجب أن يكون النضال من أجل العدالة المناخية ديمقراطيّاً حقيقياً. يجب إشراك المجتمعات المحلية الأكثر تأثّراً، ويجب أن يكون موجّهاً نحو توفير احتياجات الجميع. إنه يعني بناء مستقبل يحصل فيه كل فرد على ما يكفيه من الطاقة، والبيئة النظيفة والآمنة التي تبقى للمستقبل، مستقبلًُ متوافق ومتناسق مع المطالب الثورية للشعوب العربية و الإفريقية في السيادة الوطنية، والخبز والحريّة والعدالة الاجتماعية.
6- مقتطفات من مقدّمة الكتاب
مقدمة
حمزة حموشان وميكا مينيو–بالويللو
سيؤدي تغير المناخ إلى تدمير شمال أفريقيا. وسيموت الكثيرون كما سيضطر الملايين من البشر إلى الهجرة. الصحراء آخذة بالتوسع والمحاصيل تفشل وصيادو الأسماك يفقدون مصادر رزقهم. سيزداد عدم انتظام الأمطار وستتضاءل إمدادات المياه وستصبح العواصف أكثر كثافة. الصيف سيصبح أكثر سخونة والشتاء أكثر برودة. وسيجبر الجفاف القرويين على ترك منازلهم وستدمر الأراضي الخصبة بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر. انخفاض إنتاج الأغذية وتقلص المياه سيهدد حتى المدن الكبرى مثل القاهرة والدار البيضاء والجزائر. وستشهد السنوات العشرين المقبلة تحولا جذريا في المنطقة.
هذا ليس عملاً من أعمال الطبيعة. تغير المناخ هو بالدرجة الأول حرب – حرب يشنها الأغنياء على الطبقات العاملة، وصغار المزارعين والفقراء. إنهم هم الذين يحملون العبء نيابة عن أصحاب الامتيازات. عنف المناخ ناجم عن خيار الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري – وهو خيار الشركات والحكومات الغربية، جنبا إلى جنب مع النخب المحلية والجيوش. إنه نتيجة قرن من الرأسمالية والاستعمار. ولكن هذه القرارات يجري باستمرار إعادة صناعتها في بروكسل وواشنطن، ودبي، ومحلياً في مصر الجديدة، ولاظوغلي والقطامية، وبن عكنون، وحيدرة والمرسى.
يعتمد البقاء على ترك الوقود الأحفوري في الأرض، والتكيف مع تغير المناخ الحاصل. مليارات ستنفق على محاولة التكيف – إيجاد مصادر جديدة للمياه، وإعادة هيكلة الزراعة وتحويل المحاصيل التي تزرع، وبناء الجدران البحرية للحفاظ على عدم تسرب المياه المالحة وتغيير شكل ونمط المدن. ولكن لمصلحة من سيكون هذا التكيف؟ نفس هياكل السلطة الاستبدادية التي تسببت في تغير المناخ هي ذاتها التي تقوم بتشكيل الاستجابة – لحماية نفسها ولتحقيق أرباح أكبر. المؤسسات النيو- ليبرالية هي القائمة على صياغة التحول المناخي، في حين أن الحركات اليسارية والديمقراطية ما زالت صامتة إلى حد كبير. من سيبقى خارج أسوار المجتمعات المحصنة ضد تغير المناخ في المستقبل؟
كيف سيحول المناخ شمال أفريقيا؟
تغير المناخ بفعل الإنسان هو حقيقة واقعة في شمال أفريقيا. إنه يقوض الأساس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي للحياة في المنطقة، وسيؤدي حتما إلى تغيير الأنظمة السياسية.
موجات الجفاف الأخيرة التي امتدت في الجزائر وسوريا كانت بمثابة أحداث مناخية كارثية تفوق قدرة الهياكل الاجتماعية والمؤسسية القائمة على التعامل معها. الجفاف الشديد في شرق سوريا دمر سبل معيشة 800 ألف شخص وأدى إلى نفوق 85 في المئة من الماشية. 160 قرية كاملة هُجِرت قبل عام 2011. والتغيرات في الدورة الهيدرولوجية ستقلل إمدادات المياه العذبة والإنتاج الزراعي. هذا يعني المزيد من الواردات الغذائية وارتفاع أسعارها في البلدان التي أصبحت تعتمد بالفعل على الإستيراد، مثل مصر. عدد أكبر من الناس سيواجهون خطر المجاعة والجوع.
الصحراء آخذة بالإتساع، ملتهمة الأرض من حولها. إمدادات المياه النادرة أصلا ستعاني من ضغط أكبر. الطلب عليها يتسارع مع النمو السكاني المطرد. لكن المتاح منها سينخفض بسبب التغيرات في أنماط هطول الأمطار وتسرب مياه البحر إلى احتياطيات المياه الجوفية، مدفوعا بتغير المناخ، فضلا عن الإفراط في استخدام المياه الجوفية. وهذا سيضع معظم الدول العربية تحت مستوى الفقر المائي المطلق المحدد بـ 500 متر مكعب للشخص الواحد.
ويجبر ارتفاع مستوى مياه البحار المزارعين على ترك أراضيهم في تونس والمغرب ومصر. المياه المالحة تدمر الحقول التي كانت خصبة في دلتا النيل في مصر ودلتا ملوية في المغرب، وتهدد بأن تفيض وتقضي على مساحات شاسعة من المستوطنات الساحلية، بما في ذلك مدن مثل الإسكندرية وطرابلس. البحار أنفسها تتغير. فمع امتصاص المحيط لثاني أكسيد الكربون، فإنه يصبح أكثر حمضية، مما يسفر عن مقتل الشعاب المرجانية. وهذا سيمحو الكثير من التنوع البيولوجي في البحر الأحمر، ويدمر سبل عيش عشرات الآلاف الذين يعيشون على الصيد والسياحة.
ستشتد حرارة الصيف. وارتفاع درجات الحرارة والإجهاد بسبب الحرارة يقتل الآلاف، وخاصة العمال الريفيين الذين لا يستطيعون تجنب العمل الشاق والعمل في الهواء الطلق. وتيرة وقوة ظواهر الطقس آخذة بالازدياد. العواصف الترابية والفيضانات تهدد حياة أفقر سكان المدن، وخاصة الملايين من المهاجرين الذين يعيشون في تجمعات وأحياء غير رسمية على حافة المدن. وسيكون اللاجئون أشد عرضة لهذه التغيرات، بما في ذلك السودانيون في مصر والماليون في الجزائر والليبيون في تونس، والسوريون في لبنان. دون تطويرات كبيرة، لن يكون بإمكان التقاليد القائمة والبنية التحتية في المدن أن تتأقلم، بما في ذلك شبكات المياه الصرفية ، وخدمات الطوارئ، وممارسات تقاسم المياه.
الطقس الحار يعني زحف المرض، ووصول مسببات الأمراض التي تنتقل بالمياه والحشرات من المناطق المدارية إلى الملايين الذين لم يتعرضوا إليها من قبل. ستتحرك الملاريا وغيرها من الأمراض شمالا، وتهدد البشر والماشية على حد سواء. والطفيليات الموجودة حاليا في شمال أفريقيا ستوسع من مداها، مثل داء الليشمانيات الذي سيضاعف مداه “الملائم” في المغرب.
فوضى المناخ قد أتت حتى الآن على حياة الملايين من البشر وبددت المليارات من الدولارات. تقول “لانسيت”، المجلة الطبية، “أن بقاء مجتمعات بأكملها في العالم العربي قد أصبح على المحك.”
فشل القيادة السياسية
حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات والزراعة غير المستدامة بتشجيع من قطاع الزراعة التجارية هي التي تؤدي إلى تغير المناخ. ثاني أكسيد الكربون والميثان المستمر نفثهم في الغلاف الجوي هم المنتج الثانوي للحداثة الصناعية. النفط والغاز والفحم والمعادن يتم استخراجهم واستهلاكهم لخدمة الأرباح وسلطة الدولة – هذه هي الرأسمالية الاستخراجية التي نعيش في كنفها….
البقاء يعني ترك 80 ٪ على الأقل من احتياطيات الوقود الأحفوري الذي ثبت وجوده في الأرض.
في كل عام يجتمع القادة السياسيون والمستشارون ووسائل الإعلام في العالم في مؤتمر آخر من مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ (مؤتمر الدول الأطراف المعروف باسم COP). ولكن على الرغم من الخطر العالمي تسمح الحكومات بارتفاع انبعاثات الكربون لترتفع وتتصاعد الأزمة. الشركات الاستثمارية بسطت نفوذها و خطفت المحادثات وتشجع على على المزيد من “الحلول الزائفة” التي تهدف إلى الربح. الدول الصناعية (كل من الغرب والصين) غير راغبة في تحمل المسؤولية، في حين أن قوى الوقود الأحفوري مثل المملكة العربية السعودية تزيد من التلاعب في العملية.
مؤتمر الدول الأطراف الذي سيعقد في باريس في شهر كانون الأول /ديسمبر 2015 سيجذب الكثير من الاهتمام، ولكننا نعرف أن القادة السياسيين لن يوصلوا انخفاضات الانبعاثات للمستويات اللازمة لضمان البقاء. يجب تغيير هياكل السلطة. العمل على منع أزمة المناخ سيحدث في سياق أزمات اجتماعية أخرى موازية.
أزمة وضغط من الأسفل
يعاني النظام الذي نعيش فيه من أزمة عميقة تخلق المزيد من الفقر والحرب والمعاناة. فالأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2008 أظهرت كيف أن الرأسمالية تحل مشكلة فشلها عن طريق زيادة تجريد ومعاقبة الأغلبية. أنقذت الحكومات في جميع أنحاء العالم البنوك التي تسببت في الدمار العالمي ومررت العبء على الناس الأكثر فقرا. أزمة الغذاء في عام 2008 التي تسببت في المجاعة وأعمال الشغب في جنوب الكرة الأرضية أظهرت كيف أن نظام غذائنا متصدع، ومحتكر من الشركات التي تزيد أرباحها من خلال الزراعة أحادية المحصول و المتوجهة إلى الصادرات، والتي تستولي على الأراضي وتنتج الوقود الزراعي وتضارب بمحصول الأطعمة الأساسي.
زيادة ثروات نخبة قلة تملي قواعدها في جميع أنحاء العالم أثار مرارا شرارة الثورة والتمرد. لقد ألهمت موجة الانتفاضات العربية في عام 2011 مليارات من الناس في مختلف أنحاء العالم، بدءا بتونس ومصر وثم انديغنادوس في إسبانيا واليونان ومرورا بحشد وتحرك الطلاب في تشيلي، ووصولا إلى حركة” احتلوا” (Occupy movement) المناهضة لـ 1 ٪ الذين هم الأثرياء، والثورات في تركيا والبرازيل وخارجها . كل نضال مختلف وله سياقه المحدد. ولكن جميع هذا التحركات كانت تتحدى قوة النخبة وعنف العالم النيو- ليبرالي.
هذا هو السياقالذي نتعامل فيه مع تغير المناخ. أزمة المناخ هي مثال قوي للاستغلال الرأسمالي والإمبريالي للناس والكوكب. إذا ما تركنا الاستجابة لتغير المناخ للنخبة المفلسة يعني أننا لن نتمكن من البقاء. يجب أن يكون النضال من أجل العدالة المناخية ديمقراطيا بشدة. يجب إشراك المجتمعات المحلية الأكثر تأثرا، ويجب أن يكون موجها نحو توفير احتياجات الجميع. إنه يعني بناء مستقبل يحصل فيه كل فرد على ما يكفيه من الطاقة، والبيئة النظيفة والآمنة التي تبقى للمستقبل، والتي تكون في توافق مع المطالب الثورية في السيادة الوطنية، والخبز والحرية والعدالة الاجتماعية….
حجم الأزمة يعني أننا بحاجة إلى خروج جذري عن هياكل السلطة الاستبدادية والنيو- ليبرالية القائمة. الحاجة الملحة تجعل الأمر يبدو كما لو أننا لا نملك الوقت لتغيير النظام، ولكن الاعتماد على هؤلاء الذين يحكمون سيرجعنا خطوتين إلى الوراء مع كل خطوة إلى الأمام. بدلا من ذلك، يتعين علينا أن ننظر إلى الحركات الاجتماعية والمجتمعات التي تقاوم جبهيا، وبناء مسارات ديمقراطية نحو البقاء في عالم أكثر دفئا.
وسوف يكون هذا النضال العالمي سمة القرن الحادي والعشرين.
[اضغط/ي هنا للاطلاع على النسخة الانجليزية]
المصدر : http://www.jadaliyya.com/