ما كاد خبر إحالة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لوثيقة، بشأن الخبرات الطبية المنجزة حول ادعاءات التعذيب الذي تعرض له بعض المعتقلين على خلفية حراك الريف، على الجهات ذات الاختصاص، يذيع ويتسرب منه ما أورده الطبيبان الخبيران في الطب الشرعي، المكلفان بإجراء تلك الخبرات، من وجود “حالات تعذيب”، جرى استقاؤها من “شهادات المعنيين بالأمر والمعاينة الجسدية”، مما يستدعي فتح تحقيق في الموضوع، حتى انبرت عدة جهات ومنابر إعلامية، لكيل جملة من الاتهامات المغرضة، العلنية منها أو المبطنة، لمسؤولي المجلس وللطبيبين المشرفين على الخبرات، بلغت حد المس بشخوصهم ووضعهم الاعتباري، وتسفيه ما حملته الوثيقة من معلومات وتضمنته من خلاصات وتوصيات.
وتأتي خلاصات التقرير الطبي للفريق الذي كلفه المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليِؤكد ما وصلت إليه تقارير الهيآت التي زارت إقليم الحسيمة إثر موجة الاعتقالات غير المسبوقة بالمنطقة ابتداء من يوم 26 ماي 2017، وأهمها تقرير لجنة التقصي للائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان بعد مهمة دامت ثلاثة أيام استمعت خلالها للعائلات وبعض المعتقلين، كما أن عشرات المحامين والمحاميات أعضاء هيأة الدفاع ما انفكوا يثيرون الموضوع بعد معاينتهم لآثار التعذيب الجسدي على موكليهم، والاستماع إلى تصريحاتهم بخصوص مظاهر المعاملات القاسية والحاطة من الكرامة، من سب وقذف وتهديد بالاغتصاب وتطالب بفتخ تحقيق بخصوصه وترتيب الآثار القانونية عليه. ولقد تم الهجوم من نفس الجهات على هذه التقارير، وسارعت أجهزة الدولة إلى إصدار بلاغات التكذيب.
والمكتب المركزي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي تابع هذه الحملة وما أطلقته من نقاش عمومي، أعاد إلى الواجهة إشكالية الحكامة الأمنية ومسألة معالجة ملف التعذيب ببلادنا، رغم التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة في هذا الباب، وبالرغم من التزامات المغرب التعاقدية ذات الصلة؛ إذ يذكر بموقفه القاضي بمراجعة الإطار القانوني للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بما يرفع عنه أية وصاية، قبلية أو بعدية، تحد من استقلاليته وتعوق ممارسته لاختصاصاته، وبما يجعله يستوفي معايير باريس، فإنه يعبر عما يلي:
– استنكاره للحملات المضللة، التي تشنها جهات معلومة كلما صدر تقرير يرصد استمرار التعذيب، والتي أعقبت نشر بعض المعطيات المتضمنة في الوثيقة المذكورة، ووقوفه إلى جانب المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مسعاه لفتح التحقيق اللازم بخصوص ادعاءات التعرض للتعذيب وللمعاملات القاسية واللاإنسانية والمهينة، التي حملتها بعض شهادات نشطاء حراك الريف ضحايا الاعتقال والمتابعة، أو صرح بها ذووهم أو دفاعهم؛
– تأكده من أن الوثيقة موضوع الحملة، جاءت، بوصفها تقريرا تركيبيا عن الفحص والتشخيص اللذين أجراهما طبيبان خبيران في الطب الشرعي، مستجيبة للمعايير التي سطرها بروتوكول إستنبول، ولمبادئه التوجيهية المتعلقة بالتقصي والتوثيق الفعالين بشأن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
– تبنيه وتثمينه لخلاصات وتوصيات تقرير الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان في الموضوع؛ وتجديده مطالبة الدولة بالكف عن تبييض جرائم التعذيب بمفهومه المنصوص عليه في اتفاقية مناهضة التعذيب، وذلك بإخضاع الأجهزة الأمنية لمراقبة الحكومة والبرلمان، وإجراء التحقيقات القضائية وإنزال العقوبات اللازمة لكل المتورطين في تعذيب أي مواطن أو مواطنة، وإخراج الآلية الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب للوجود؛
والمكتب المركزي إذ ينبه إلى أن مفهوم التعذيب لا يقتصر فقط، حسب المادة 1 من الاتفاقية على الألم أو العذاب الجسدي أو العقلي الذي يصيب الشخص بهدف الحصول على معلومات أثناء الاستنطاق، بل يشمل أيضا التخويف أو الإرغام أو المعاقبة على عمل؛ وإذ يحيل على ما ذهبت إليه لجنة مناهضة التعذيب في تعليقها العام رقم 2، الخاص بتنفيذ الدول الأطراف للمادة 2 من الاتفاقية بقولها: “وعملياً إن الحد الفاصل بين مفهومي إساءة المعاملة والتعذيب يتسم في كثير من الأحيان بعدم الوضوح. وتثبت التجربة أن الظروف التي تؤدي إلى إساءة المعاملة تسهل التعذيب في كثير من الأحيان، ولذلك، يجب تطبيق التدابير اللازمة لمنع التعذيب من أجل منع إساءة المعاملة. وبناءً على ذلك، اعتبرت اللجنة أن حظر إساءة المعاملة يشكل أيضاً مبدأً غير قابل للتقييد بموجب الاتفاقية، كما اعتبرت أن مكافحته تشكل تدبيراً فعالاً وغير قابل للتقييد”؛ وما توصل إليه مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب حينما اعتبر أن المعيار الحاسم لتمييز التعذيب عن غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ” قد يكون هو الغرض من هذا السلوك وعجز الضحية، بدلا من شدة الألم أو المعاناة”؛ فإنه يدعو إلى فتح تحقيق مستقل، نزيه وشفاف في ما تعرض له المعتقلون السياسيون، نشطاء حراك الريف، مع ما يقتضيه ذلك من مساءلة وعدم إفلات من العقاب، وإسقاط للمتابعات وإبطال للأحكام.
المكتب المركزي
الرباط في 14 يوليوز 2017