رغم الدور الحاسم الذي لعبه الشباب التونسي خلال ثورة 14 جانفي 2011 ،حيث كان في مقدمة القوى المنادية بالحرية والكرامة والعدالة ، فان حظه من السياسات التي تلتها الى حد الان كانت هزيلة ، ولم تنجح الحكومات المتعاقبة في تسليحه بالأمل ولم تساعد في حل مشاكله المزمنة مثل البطالة والفقر والتهميش والإقصاء.
وان نفتخر بدستور مستنير وتقدمي يحوي فصولا تتماشى ومبادئ حقوق الانسان والحريات العامة و نفتخر كذلك بنيل الرباعي الراعي للحوار لجائزة نوبل للسلام لدوره الحاسم في انجاح المسار الديمقراطي ، فان استهداف الشباب عبر قوانين بالية وأحكام جائرة ستعمق الازمة وتزيد من الشرخ ان لم تقع معالجتها بما يتماشى وما تتطلبه مرحلة البناء الديمقراطي من محيط للحرية واحترام الاشخاص وحرمتهم الجسدية وتوجهاتهم وميولاتهم. والأمثلة على ما نسوقه كثيرة:
- فرغم النداءات المتعددة الصادرة عن الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني التونسية والأجنبية ، فقد واصلت الحكومة التونسية العمل القانون 52 المتعلق باستهلاك القنب الهندي (الزطلة) وحوكم، أخيرا، ثلاث مبدعين شبان بذات القانون بعد مداهمة منزلهم بالقوة العامة بسنة سجنا وخطية قدرها الف دينار. وسيضاف الشبان الثلاث الى آلاف الشبان الذين تحطم مستقبل العديد منهم.
- يوم 11 ديسمبر 2015، اي بعد يوم واحد من ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نادى باحترام البشر وكرامتهم ، احيل ستة شبان بتهمة المثلية الجنسية وصدر حكم بسجنهم لمدة ثلاث سنوات وذلك طبقا للفصل 230 من القانون الجزائي التونسي المتعلق “باللواط والمساحقة”
- وقد سبق لنا ان نددنا بالاعتداء الذي وقع على احد الطلبة بمدينة سوسة حيث اجبر قبل احالته على السجن بتهمة اللواط على اجراء فحص جرشي وهو ما يمثل اعتداءا صارخا على كرامته وحرمته الجسدية.
اللجنة من اجل احترام الحريات وحقوق الانسان في تونس تجدد مطالبتها بإلغاء القانون 52 المؤرخ في سنة 1992 لأنه يمثل عقوبة قاسية ، خاصة وان مثل هذا “الحل” لا يمثل ردعا لمستهلكي المخدرات ، حيث ما فتئت نسبة المستهلكين والمدمنين تتضاعف ، وقد بينت دراسة سابقة ان 54 بالمائة من المسجونين بتهمة الزطلة يعودون الى السجن لنفس الأسباب .
لذلك ندعو الى حوار وطني حول هذا الموضوع . كما نرى أن الحل ليس في تشديد العقاب، بل في مزيد الاعتناء بالشباب وانتشاله من مظاهر اليأس عبر الوقاية و العمل البيداغوجي.
الى ذلك ، نعتبر ان العمل بالفصل 230 من القانون الجزائي الخاص بالمثلية يمثل انتهاكا لحقوق الانسان ولحريته وقد سبق للأمم المتحدة ان اعتبرت التوجهات الجنسية للأشخاص من حقوق الانسان.
لعل زيغ العدالة التونسية و لجوئها إلى هاته القوانين التي عفا عليها الدهر تعبير عن المنحى الرجعي المتخلّف لنواة محافظة داخل التحالف الرباعي في تناول المسائل المجتمعية.
على أية حال ان بلادنا الان في مفترق طرق : اما ان تتواصل انتهاكات حقوق الانسان استنادا الى قوانين جائرة تعمق النقمة والقهر لدى مواطنينا وخاصة الشباب وتهدد بعودة الديكتاتورية أو ان نطور قوانيننا وممارستنا حتى تتلاءم مع روح الدستور والمواثيق والعهود الدولية وبذلك نسعى حقيقة إلى بناء مجتمع ديمقراطي يحقق الشغل والأمل لشبابه.
تونس في – 14 ديسمبر 2015