(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على جميع أطراف النزاع المُسلح في اليمن اتخاذ كافة التدابير من أجل حماية المدينة القديمة في صنعاء، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. يوفر القانون الإنساني الدولي حماية خاصة للمباني وغيرها من المُنشآت التي تُعد جزءا من الميراث الثقافي الإنساني.
فرضت قوات “أنصار الله”، المعروفة باسم الحوثيين، سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء على مدار العام الماضي. شهدت الأسابيع الماضية تقدم القوات اليمنية الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه هادي نحو بلدة مأرب 170، كيلومترا شرق صنعاء، تدعمها قوات من الإمارات ومصر والبحرين وقطر والسعودية. قد تكون هذه الخطوة تمهيدا لشن هجوم على العاصمة.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “قد تقع خسائر إضافية فادحة للإنسانية، فضلا عن الخسائر البشرية، إذا تحولت البلدة القديمة في صنعاء، والمأهولة لمدة 2500 عاما، إلى ساحة قتال. على قوات كل من الحوثيين والتحالف الالتزام ببنود الحماية القانونية الدولية، والنأي بالمدينة القديمة عن أي قتال مُستقبلي”.
قام تحالف مكون من 9 دول عربية بقيادة السعودية، منذ أواخر مارس/آذار 2015، بمهاجمة المُدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وفرض حصارا اقتصاديا على البلاد. وقدمت الولايات المُتحدة الدعم الاستخباري واللوجستي للتحالف. أسفر القتال حتى الآن عن مقتل أكثر من 2,100 مدنيا، بحسب الأمم المُتحدة.
تتسبب الغارات الجوية التي يشنها التحالف بمعظم الوفيات في صفوف المدنيين، بحسب الأمم المتحدة. العديد من هذه الغارات على صنعاء ومعقل الحوثيين الشمالي في صعدة، وغيرهما من المُدن، كانت عشوائية أو استُخدمت فيها ذخائر عنقودية، في انتهاك لقوانين الحرب. ارتكب الحوثيون انتهاكات كذلك، منها هجمات صاروخية عشوائية، وسوء مُعاملة المُحتجزين، والإخفاء القسري للمُعارضين السياسيين.
في 2 أكتوبر/تشرين الأول، اعتمد المجلس الأممي لحقوق الإنسان بالإجماع قرارا فيه العديد من العيوب، تجاهل مُطالبات بإجراء تحقيق دولي في الانتهاكات المتصاعدة في البلاد. كانت هولندا قد تقدمت بدايةَ بمشروع قرار يُخول بعثة الأمم المتحدة بتوثيق الانتهاكات التي ترتكبها كافة الأطراف منذ سبتمبر/أيلول 2014. واجه تحقيق الأمم المتحدة المُقترح معارضة علنية من العديد من أعضاء التحالف الذي تقوده السعودية ويقوم بعلميات عسكرية في اليمن، مثل قطر والبحرين ومصر والأردن والإمارات.
انتقل الحوثيون إلى مدينة صنعاء القديمة منذ عام 2011، وقد يؤدي تمركز أي قوات أو أسلحة أو مراكز قيادة هناك إلى جعلها أهدافا عسكرية. في 12 يونيو/حزيران، أسفر انفجار في المدينة القديمة عن تدمير عدد من المباني، ومقتل 5 أشخاص. نفى التحالف أن الانفجار كان نتيجة غارة جوية. وفي 19 سبتمبر/أيلول، أصابت غارة جوية للتحالف أحد المباني السكنية في المدينة القديمة، وأسفرت عن مقتل 9 أشخاص من عائلة واحدة، بحسب تقارير إعلامية عالمية.
عقب انفجار 12 يونيو/حزيران، حثت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا كافة الأطراف على حماية التراث الثقافي في اليمن. قالت بوكوفا: “أشعر بالأسى العميق لفقدان الأرواح البشرية فضلا عن الأضرار التي لحقت بواحد من أقدم جواهر العالم في التراث الحضري الإسلامي. أصابتني صدمة عند رؤية صور تلك الأبراج السكنية الرائعة متعددة الطوابق، والحدائق الهادئة وهي تتحول إلى رُكام”.
تسعى اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية لعام 1954، وبروتوكولها لعام 1999 إلى حماية “الممتلكات ذات الأهمية الكبيرة للتراث الثقافي لكل الشعوب” من خلال منع الأطراف في أي نزاع مسلح من استخدام هذه الممتلكات لأغراض قد تُعرِّضها للتدمير أو الضرر. لا يجوز ارتكاب أعمال عدائية ضد هذه الممتلكات إلا إذا استُخدمت لأغراض عسكرية، وكان هناك ضرورة عسكرية مُلِحة للقيام بذلك.
حدد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الهجوم العمد الذي يستهدف الآثار التاريخية، من بين غيرها من المباني، على أنها جريمة حرب، ما لم تكن أهدافا عسكرية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحوثيين إعادة نشر قواتهم بعيدا عن المدينة القديمة. على قوات التحالف أن تضع في اعتبارها بنود اتفاقية لاهاي للحماية إذا هاجمت الحوثيين هناك. على الولايات المتحدة والمملكة المُتحدة، وغيرهما من الدول المؤيدة للتحالف، إظهار قلقها إزاء التدمير المُحتمل للمدينة القديمة وتراث اليمن الثقافي.
قال جو ستورك: “على الولايات المُتحدة وغيرها من مؤيدي التحالف أن يبعثوا برسالة واضحة إلى السعودية وغيرها من الدول كي تبذل قصارى جهدها لتجنب القتال في مدينة صنعاء القديمة. في عام شهد تلف وتدمير الكثير من أعظم العجائب المعمارية في الشرق الأوسط، ستكون إضافة صنعاء إلى تلك القائمة مأساة مُروعة”.