تخلد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على غرار باقي المنظمات والهيئات الديمقراطية، وإلى جانب أمم وشعوب العالم التواقة لعالم يسوده السلم والحرية والكرامة والمساواة اليوم الدولي للديمقراطية، 15 شتنبر، الذي تبنته الأمم المتحدة في الثالث عشر من ديسمبر عام 2007. وقد اتخذت الأمم المتحدة موضوع “الديمقراطية وخطة التنمية المستدامة لعام 2030” كشعار لليوم الدولي للديمقراطية 2016، محل الشعار السابق “توفير حيز للمجتمع المدني”، رامية من ورائه إلى تحقيق مستقبل أفضل للجميع، ورسم الطريق على مدى 15 عاما للقضاء على الفقر المدقع، ومحاربة الفساد وعدم المساواة والظلم، وإقامة مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات وحماية كوكبنا من التدمير البيئي. ومن أهداف التنمية المستدامة، تعبئة جهود الجميع – حكومات وبرلمانات وهيئات المجتمع المدني – للقضاء على الفقر بجميع أشكاله، ومكافحة مظاهر عدم المساواة ومعالجة تغير المناخ والاحتباس الحراري وتعزيز الوسائل لترجمة أهداف الخطة الجديدة للتنمية المستدامة إلى إجراءات ملموسة من خلال سن التشريعات، ورصد المخصصات في الميزانية ومساءلة الحكومات.
والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي تخلد هذا اليوم مستحضرة أهداف الخطة الجديدة، يهمها أن تسجل ما يلي:
أولا: على المستوى الدولي والإقليمي:
إذا كان السلم العادل والديمقراطية من مستلزمات التنمية المستدامة، كما هي محددة في الهدف 16 من الخطة الجديدة، فإن المناخ العام الذي يسود الوضع الدولي والإقليمي يتميز على الصعيد الاقتصادي بهيمنة الليبرالية المتوحشة عبر مؤسساتها المالية والاقتصادية، كأدوات لفرض إملاءاتها على اقتصاديات شعوب وأمم العالم وخاصة دول الجنوب، وما لذلك من نتائج كارثية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان؛ في وقت تعاني فيه أغلب الشعوب من تهديدات تمس حقها في السلم العادل وفي الديمقراطية، جراء استمرار الحروب العدوانية واتساع دائرة الإرهاب، وفي ظل أنظمة الاستبداد والفساد السياسي؛ وهي كلها عوامل تعيق التنمية المستدامة وتنتج مظاهر انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعوب وحقها في الديمقراطية وفي تقرير مصيرها الاقتصادي والسياسي والثقافي.
ثانيا: على المستوى الوطني:
تسجل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على أن مطلب الديمقراطية لازال قائما ومطروحا بإلحاح، إذ لم يشهد المغرب أي تحول حقيقي نحو الديمقراطية سواء على مستوى الدستور والتشريعات أو في الواقع اليومي للمواطنين والمواطنات. فدستور 2011، ورغم إفراده للحريات بابا خاصا، لم يحمل مواصفات الدستور الديمقراطي لا من حيث طريقة بلورته أو في مضمونه والمصادقة عليه، ولا تتوفر فيه ضمانات تمتع المواطنين والمواطنات بحقهم في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة؛ وهو ما تعكسه السياسات العمومية على مستوى التشريع وعلى مستوى الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك على مستوى واقع حقوق الإنسان، والتي من مؤشراتها البارزة:
تكريس احتكار السلطة والثروة، ورهن القرار السياسي والاقتصادي للبلد للقوى العظمى ومؤسساتها الاقتصادية والمالية؛
الإنزال المتواتر والممنهج لحزمة من الإجراءات والقوانين التراجعية التي تنحو نحو المزيد من الإجهاز على حقوق المواطنين والمواطنات سواء منها المدنية والسياسية أو الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مما أدى ولا زال يؤدي إلى تنامى موجات من الحركات الاحتجاجية في العديد من المناطق؛
الارتفاع المهول لحجم المديونية التي تؤدى خدماتها على حساب العيش الكريم للمواطنين والمواطنات؛
تخلي الدولة عن تحمل مسؤوليتها في مجال الصحة والتعليم والتشغيل وفي باقي الخدمات الاجتماعية الأخرى؛
تفشي الرشوة خصوصا في القطاعات الأساسية كالقضاء والأمن والصحة وهدر المال العام في ظل سيادة عدم الإفلات من العقاب؛
اتساع حجم الانتهاكات التي طالت مختلف الفئات من خلال شن حملات الاعتقال والمحاكمات الصورية في صفوف مناضلي الحركة الطلابية والنقابية والسياسية والمنع والتضييق الذي تتعرض له عدد من هيئات المجتمع وفي مقدمتها الحركة الحقوقية والديمقراطية ومن ضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛
الأرقام الصادمة التي حملتها عدد من التقارير الأممية ولمؤسسات دولية أخرى، والتي تكشف حجم تردي المؤشرات في مجال الحريات العامة والفردية كما في مجال التعليم والصحة وحقوق المرأة والطفولة وشروط العيش الكريم والتنمية البشرية…
وهذه كلها مؤشرات دالة على غياب الإرادة لدى الدولة المغربية لنهج سياسة اقتصادية واجتماعية توفر المستلزمات القانونية والمؤسساتية الضرورية لأي مشروع للتنمية المستدامة.
وانطلاقا مما سبق، فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي تخلد اليوم العالمي للديمقراطية، تؤكد على أن إقرار الديمقراطية، كشرط ملازم للتنمية المستدامة، يمر بالضرورة عبر:
إقرار دستور ديمقراطي صياغة ومضمونا وتصديقا، يضمن حق الشعب المغربي في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والثقافي، وفصلا حقيقيا للسلط وفصل الدين عن السياسة على مستوى الدولة والمجتمع، يعترف بسمو المواثيق الدولية وبالسيادة الشعبية كأساس ومصدر لكل السلطات ، وإقرار المساواة بين الجنسين في كل المجالات وبدون تحفظات، وملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
تفعيل وأجرأة المقتضيات الإيجابية الواردة في الدستور الحالي بشأن حقوق الإنسان و دمقرطة مدونة الانتخابات، واتخاذ سائر الإجراءات التنظيمية والإدارية والعملية، لضمان انتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها عن الإرادة الشعبية.
كما أن الديمقراطية تقتضي القطع مع الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية كما في الجرائم الاقتصادية، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، واستقلال القرار السياسي والاقتصادي للمغرب عبر الحد من التبعية من موقع الضعف لمراكز الرأسمال العالمي، وبناء اقتصاد وطني يضمن تحقيق الكرامة للمواطن المغربي.
المكتب المركزي
الرباط في 15 شتنبر 2016